الثلاثاء، 2 مارس 2010

مصر- الجزائر: اقتصاديات التطرف

حين زرت الجزائر لأول مرة منذ عامين وكنت وقتها ضمن بعثة رسمية لفت انتباهي بشدة الطبيعة الساحلية الهادرة بالقوة والجمال معا فى شمال تلك البلاد وبالتوازي غياب الاهتمام الملائم بالاستثمارات السياحية سواء الوطنية أو الأجنبية الأمر الذي طرح أكثر من علامة استفهام حول مدى رغبة الجزائريين فى استغلال تلك الطبيعة المتفردة ومدى إدراكهم لقيمتها، وهم أذكى من أن يفوتهم ذلك، وأكثر حيوية من أن يستعصى عليهم.

وفى مساء ثاني أيام الزيارة دار نقاش بين أعضاء بالبعثة وآخرين حول تفسير الأمر، وهل للثقافة دور أو بمعنى آخر هل لتكوين الشخصية الجزائرية الصلب والعنيد دور فى النفور من العمل السياحي أو الأعمال الخدمية بشكل عام أم أن هناك أسبابا أخرى وكان الجواب التقليدي هو تحميل الإرهاب المسئولية عن تطفيش المستثمرين العرب والأجانب الذين كان يمكن لهم أن يعوضوا انصراف الجزائريين عن ولوج ذلك المجال بقوة بل وتطفيش من يفكر من الجزائريين أنفسهم ولكن كان من رأيي أن علينا أن نبحث عن عامل اسبق يفسر انفجار الإرهاب ذاته هنا خاصة أن العنف والتطرف فى البلاد الإسلامية ارتبطا شرطيا وبالدرجة الأولى بمعاداة النشاط السياحي والعاملين به والسائحين بشكل عام وليس أدل على ذلك من انفجارات اندونيسيا حديثا والحوادث الإجرامية التي سبقتها فى الأقصر بمصر وفى فنادق بالعاصمة المصرية أو أمام متحفها الرئيسي منذ سنوات لا أعادها الله وأضفت إن علم الإجرام الكلاسيكي لا زال يصلح لإضاءة الغموض وبالذات قاعدته الذهبية التي تقول " فتش عن المستفيد وراء كل جريمة" وقبل أن يقول الحاضرون : " وبعدين يا أبو العريف" أو أن يتهمونني باني صاحب عقل تآمري قلت : تصوروا أن الجزائر نالت الحصة التي تستحقها فى السياحة الدولية فعلى حساب من سيكون ذلك ... أليس من المحتمل أن تكون قوى سياحية كبرى فى دول جنوب المتوسط هي التي وضعت – بالتعاون مع أجهزة الشر والتآمر – بذور الفتنة الدينية وتركتها لتنمو بعد ذلك وحدها حسب قانون كرة الثلج المتدحرجة ليظهر الأمر وكأنها نشأت ذاتيا وذلك حتى تمنع – مع أهداف أخرى – تطور السياحة فى بلدنا العربي هذا ؟ . أليس من الوارد حين تحتل الجزائر مكانتها السياحية اللائقة أن يفضل نصف العرب الذين يذهبون إلى اسبانيا وفرنسا ولندن و.. و.. المجيء إلى الجزائر الشقيق للاستمتاع بمطرها وسحابها وجبالها وزهورها البرية وتمرها الشفاف المعجزة ( روتانا الذي سميت المحطة الشهيرة على اسمه ) ؟ . لن أقول من الذي وافقني أو عارضني أو تحفظ لكن ما دفعني إلى استعادة تلك الواقعة هو ما جرى منذ أيام قبيل وبعد مباراتي مصر والجزائر فى كرة القدم للتأهل لمونديال 2010 فى جنوب أفريقيا من أحداث تطرف أفضت إلى موجة هوس وتشنجات على الجانبين غير مسبوقة والى إصابة العديد من المصريين على ايدى جزائريين وتحطيم مشاريع ومحال ومنازل ومصانع مصرية بالجزائر وترحيل مصريين عاملين هناك أو إعادتهم إلى بلادهم لتفادى العنف الموجه ضدهم . لقد اختطف التطرف كعادته الشعبين بحيث أن قلة محدودة للغاية هنا و هناك هيمنت على المشهد وفرضت قواعد اللعبة غير عابئة بالنيران التي تشعلها والحطام الذي يتهاوى تحتها من روابط أو مصالح أو منشات أو لعلها واعية بما تفعل بأكثر مما يمكن أن يذهب إليه خيالنا . مرة أخرى عدت إلى علم الجريمة.

اعرف أن الكرة لعبة تثير الحماس الجارف فى الجمهور بكل بلد وان انتشار الفضائيات ساعد على عولمة أشكال التشجيع المتطرفة أحيانا واعرف أن هناك مساحة دوما لما أسميته العنف النبيل فى التشجيع الكروي الذي لا يتجاوز التشجيع الصاخب لمن نؤيد والتهجم الحامي على من ننافس وقد عشت بنفسي طرفا من ذلك اللون الانفعالي من التشجيع فى المباريات بين اكبر ناديين فى مصر وكنت اعرف دوما أن ذلك الانفعال كان فقط جزءا من طقس المشاهدة ولم يولد أبدا اى ميل للعنف الفعلي ضد الآخرين أو كراهتهم ا وتدمير ممتلكاتهم . أكثر من هذا فإنني اعرف انه يحدث أحيانا فى التسابق بين أندية محلية متنافسة فى منطقة قناة السويس بمصر أن يتجاوز الجمهور العنف النبيل إلى العنف الأهوج ولكن تظل السيطرة عليه ممكنة وسريعة لكن كله إلا ما حدث مع مصر والجزائر مؤخرا ومرة ثالثة فتش عن المستفيد . إن مصر هي اكبر مستثمر بالجزائر حاليا ومرشحة لان تأخذ حصة اكبر فى البلد الذي يملك احتياطيات دولية تناهز ال150 مليار دولار ولديه مجاعة استثمارية فى كل المجالات ومن المنطقي معرفة أن من يضع قدمه أولا هناك ستصعب إزاحته لاحقا وتلعب وفرة الطاقة واحتمالات كشف كميات ضخمة من الغاز الطبيعي دورا إضافيا فى إثارة الغرائز الاستثمارية الغربية حيال هذا البلد وفى اعتقادي أن دولا أوربية كانت تسعى إلى عمل ضغوط منسقة مع حلفاء مثل الولايات المتحدة لإجبار الجزائر على فتح أسواقها وتحرير اقتصادها على الطريقة التي ينصح بها عادة البنك وصندوق النقد الدوليين لكن تلك القوى فوجئت ببلد كمصر يسبق ويتواءم مع الواقع الجزائري ومتطلباته ويوثق علاقاته الاستثمارية هناك دون طلبات خاصة ومن هنا جاءت المساعي لإشعال النزاع بين البلدين لوقف تلك المسيرة وكانت مباريات الكرة فرصة مواتية لكنها لن تكون الأخيرة وفى الجزائر أيضا تتقاطع مصالح عديدة وتحاول أطراف إقليمية التأثير على مسار السياسة هناك ولم يكن مناسبا لها أن تنمو علاقات مصر والجزائر اقتصاديا على هذا المنوال وإذا أخذنا فى الاعتبار أن بعض مؤيدي الإسلام السياسي والأجندات المعروفة أصبح لهم ثار مع السياسة المصرية لامكن مع كل ما تقدم تفسير موجة الشحن المريبة التي أججت المشاعر فى الأيام الماضية وأدت إلى ما حصل من أحداث مؤسفة . لا اطلب من احد أن يؤيد رأيي أو أن يعارضه لكن أنبه إلى أن على كل منا أن يأخذ فى اعتباره ألاعيب القوى الكبرى حين يتعلق الأمر بمصالحها أو مصالح المجموعات المنتمية إليها . إن الذين أشعلوا الحربين العالميتين الأولى والثانية وتسببوا فى قتل عشرات الملايين من شعوبهم بسبب التنافس على الأسواق لن يصبحوا فجأة من الملائكة الأبرار اقتصاديا، وكل ما فى الأمر أن اللعبة تغيرت وان ساحاتها أيضا تبدلت . يجب ألا ننتظر حتى نسمعها : " انتهى الدرس يا غبي "بحسب المسرحية الكوميدية المصرية المعروفة فالوعي بما يجرى تحت السطح أصبح ضرورة حياة لكل دولة عربية بل ولكل مواطن على أراضينا صحفيا كان أم مشجعا كرويا أم مستثمرا الخ.

mesbahkotb@yahoo.com

مراكز الفكر ومرحلة الـ " ما بعد "

كثيرة هي المرات التي سمعنا فيها ونسمع عن مراكز التفكير – ثنك تانكس- فى أمريكا وأهميتها وتأثيرها على صناعة القرار ومدى وقوف الشركات والحكومة وراء دعمها وعن هذا المثقف أو الأستاذ الذي زار منها هذا المركز أو ذاك وأعجبه مستوى التعمق و البحث الجاد الذي تعمل به وكثيرة هي أيضا الدعوات التي انطلقت وتنطلق فى ندواتنا ومؤتمراتنا لإقامة " ثنك تانكس" عربية ومحلية لبحث قضايانا والتحديات التي تواجهنا وأحسن السبل للتصدي لها غير أن ما يدعو إلى الحزن والأسى أن لدينا بالفعل كعرب مراكز تفكير على مستوى رفيع فى عدة مجالات مهنية و علمية واقتصادية واجتماعية وتكمن المشكلة ليس فى عدم وجودها أو وجودها بعدد صغير ولكن فى عدم وجود طلب حقيقي فى المؤسسات الرسمية أو في المجتمع نفسه على العلم والعقل ومنتجاتهما اى على ما تقدمه تلك المراكز ما يقود إلى خفوت صوتها وتراجع مبادراتها وانزواء أصحابها أو انصرافهم إلى الشأن الخاص أو إلى الهجرة إلى بلاد تقدرهم .
ولعل مراكز الفكر الاقتصادي فى الوطن العربي من أكثر الحالات التي ينطبق عليها ما تقدم فهي تحفل بعقول جبارة ومخلصة وواعية بمتطلبات التكامل والتعاون العربيين وهى على صلة بكل ما هو جديد فى مجالها فى الحقل المعرفي الذي تعنى به كما أن بها أيضا تنوعا فكريا يقدم نموذجا للتفاعل الحي الصادق بين التيارات المختلفة لصالح مشروع النهضة العربية والعزوة الاقتصادية القطرية من دون تجريح أو ممالاءة أو تفريط ومن حسن الحظ أكثر أن فى الدول العربية كذلك عدد من الاقتصاديات البارزات – اسميهن وزيرات اقتصاد الظل - اللواتي ينشطن فى مراكز التفكير المشار إليها ومع ذلك فان حجم الاستفادة من كل ذلك لا يتكافأ بحال مع الجهد المبذول والإمكانات الكامنة. بعد كل ما تقدم أود أن الفت من يود أن يلقى السمع إلى أن الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية وهى منظمة مجتمع مدني مستقلة (تأسست منذ أكثر من 20 عاما ) وتعد من أهم مراكز الفكر الاقتصادي عربيا (يرأسها حاليا الدكتور منير الحمش ) ستعقد مؤتمرها السنوي فى بيروت يومي 19 و20 ديسمبر المقبل تحت عنوان " الاقتصاديات العربية وتطورات ما بعد الأزمة الاقتصادية العالمية " وسيناقش المؤتمر قضايا عديدة على رأسها كفاءة أسواق المال العربية والحدود الجديدة لدور الدولة ومدى فاعلية مؤسسات الرقابة المالية وما هو المطلوب لتطويرها بما ينسجم مع استحقاقات المرحلة المقبلة وانعكاسات الأزمة على قطاعات الصناعة والزراعة والخدمات وخبرات التعافي فى البلدان العربية وإمكان مساهمة العرب فى صياغة النظام المالي العالمي المرتقب كما سيبحث أداء الصناديق الاستثمارية العربية والخطط الدولية – المقترح الصيني بالتحديد - لإحلال عملة جديدة محل الدولار كعملة احتياط دولية وسيناريوهات التعاون العربي فى عالم ما بعد الأزمة الخ .يلفت النظر أن عددا لا يستهان به من المؤسسات العربية – والعالمية- مشغول الآن ب " ما بعد الأزمة" وقد برز ذلك العنوان فى أكثر من بلد وأكثر من محفل مؤخرا ويمكن تسمية المرحلة التي نعيشها ب " ما بعد" غير انه يتعين ألا نفهم أن " ما بعد" تعنى أوتوماتيكيا انتهاء الأزمة أو قدوم الانتعاش فما لازال هناك ما يجب عمله والمهم أن الجمعية العربية تسبح هنا فى التوقيت الصحيح مع تيار أل " ما بعد" ولكن بلغتها الخاصة لان همها عربي ولغتها عربية والطريف هنا أن مصر ستشهد يومي 14 و15 ديسمبر عقد " ملتقى القاهرة للاستثمار" وقد غلبت على كل عناوين حلقاته النقاشية عبارة " ما بعد الأزمة العالمية" حيث سيتم فيه مثلا استعراض أداء الاقتصاد العربي بعد الأزمة المالية العالمية و تقييم التطورات المتوقعة للصادرات والواردات العربية فيما بعد الأزمة ومناقشة مستقبل قطاع الطاقة فى العالم العربي بما فى ذلك مشاريع الكهرباء والنفط والغاز والبتروكيماويات بعد الأزمة العالمية وسيتطرق أيضاً إلى مستجدات الإشراف والرقابة المصرفية والمالية من خلال ارتباطها بالأزمة المالية العالمية وهكذا.

وقد اجتذبت الجمعية العربية كما عرفت إلى مؤتمرها البيروتي عددا من الباحثين الشبان قدمت لهم منحا لدراسة الموضوعات محل الاهتمام وبهذا يتقابل حماس الشباب مع حكمة الكبار فى ساحة الجدل العلمي المعنى بالواقع وتلك سنة محمودة وقد علمت أيضا أن الدكتور محمود محيى الدين وزير الاستثمار المصري – وهو بالمناسبة عضو منتخب فى مجلس إدارة الجمعية – اقترح استضافة خبراء من البنك وصندوق النقد الدوليين وسيكون هناك مائدة مستديرة يديرها الوزير بنفسه حول خطط الإنعاش الاقتصادي ومستويات المديونيات الحكومية وتأثيرها على عجز الموازنات مستقبلا .وسيشارك كذلك خبراء صندوق النقد العربي وتلك الصيغة المنفتحة أيضا للبحث تدعم من قدرة ومصداقية مركز الفكر العربي الرصين المسمى بالجمعية العربية المشار إليها. ويعرف المتابعون أن مركز دراسات الوحدة العربية الذي يقوده الدكتور خير الدين حسيب يقدم تسهيلات لعقد المؤتمر وإنجاحه وقد ناقشت الجمعية فى العام الماضي - خلال مؤتمرها الذي عقد بالأردن – دور القطاع المالي فى التنمية العربية غير أن مؤتمرها هذا العام سينعقد بعد أيام من انتهاء الاجتماع الوزاري لمنظمة التجارة فى جنيف لبحث إنهاء جولة الدوحة لتحرير التجارة الدولية بعد أن استمرت المداولات والخلافات تعطل ذلك منذ 2001 وحتى الآن وليس من المتوقع أن يفضى اجتماع جنيف إلى الكثير رغم النبرة المختلفة نسبيا التي تصدر عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي هذه الأيام بخصوص السلع الزراعية – وعلى رأسها القطن – وهى اكبر عائق أمام إنهاء الجولة وفى اعتقادي أن اهتمام الجمعية العربية بما تسميه دائما " عولمة عادلة" سيجعلها تعرج إلى مشاكل التجارة العالمية وتفاعل العرب معها ومنطقة التجارة العربية الحرة وسبل دفعها.

سيشهد الحدث فعاليات أخرى بالطبع إلى جانب لقاءات رسمية وغير رسمية بين المفكرين الاقتصاديين العرب وبعض صناع السياسة الاقتصادية والمالية العرب وكل ما أمله أن يلقى ما يتم طرحه فى مثل تلك المنتديات عناية جامعاتنا وإعلامنا وصحفنا وأجهزتنا الرسمية ومنظمات المجتمع المدني الأخرى المعنية ودافعي إلى ذلك معرفتي بمدى جدية واستقامة القائمين على العمل بالجمعية والجهد الذي تم بذله للتحضير للمؤتمر فلا احد من المشاركين غاوي منظرة أو تنقصه الشهرة ولا ينتظر احد منهم جزاء ولا شكرا ولا يعنيه سوى الاستقبال الحي للأفكار ونقدها وتطويرها وإحاطة الناس بها ... إنه المكافأة المعنوية التي تجعل محبي العمل العام قادرين على المواصلة وإلا فلا نلومن إلا أنفسنا إذا انقرض هذا النوع من العلماء ولا نلومن إلا أنفسنا إذا تلفتنا يوما فوجدنا مقرات " الثنك تانكس" العربية مكتوب عليها " للبيع بأعلى سعر" بسبب توقف النشاط . بدلا من أن نندب حظ بلادنا وافتقادها لمراكز فكر كالتي فى " أوربا والدول المتقدمة" فلنقدم العناية اللازمة بكل ما هو فكر أولا.

mesbahkotb@yahoo.com

الثلاثاء، 2 فبراير 2010

مصادرنا الصحفية المقبلة ( 2 – 2 )

يتواصل الحوار مع الباحثين الاقتصاديين الشباب ففى نبرة تشاؤم هادئة (!!) تنبأت اسماء محمد عزت – معيدة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية – بان يستمر تأثر الاقتصاد المصرى بالأزمة لبضع سنوات بل وقد تحدث فى الطريق أزمات أخرى وتوقعت أن يزداد الاهتمام بتطبيق قواعد الحوكمة والمساءلة والشفافية قائلة انه اذا لم يحدث تراخى ثانية فى تطبيق تلك القواعد فقد يتم تفادى ما هووارد الحدوث ورصدت كاخرين تميز الباحثين القدامى بالقدرة على تحليل الظواهر بشكل عميق وشامل والربط بينها وبين النظريات التى درسوها وبقدرتهم على ابتكار نظريات مغايرة ويفقتقد الجدد ذلك لكنهم يتميزون فى مهارات البحث وسرعة الوصول للمعلومات واستيعابهم القوى للتكنولوجيا ولمعطيات العولمة. وحمل علاء فكرى رزق – معيد بتجارة الازهر- بوش الابن المسئولية عن الازمة لتحيزه الصارخ للشركات الكبرى المالية وغير المالية وتوجيهه الى تقليل الرقابة عليها وايضا توجيهه الى تسهيل الاقراض بكل السبل ما ولد الفساد والانهيارات وراى ان الجهاز المصرفى المصرى تاثر بالازمة حيث زادت فيه نسبة الاصول غير العاملة وانتقد غياب الرقابة الحكومية على الاسعار ما ادى الى عدم استفادة الناس من انخفاض اسعار السلع الغذائية ومدخلات الزراعة بعد الازمة رغم انخفاضها عالميا ويرى ان الجيل القديم تفوق بما اتيح له من بعثات واختلاط بالخارج اما الجديد فهناك جامعات كثيرة لكن كل جامعة تحبس طلبتها فيما يدرسه بها الاساتذة ولذا يقترح ان يكون هناك منهج مشترك تضعه كل عدة جامعات لطلبة الدراسات العليا ليلموا بجميع المدارس الفكرية .وذهب عبد الحميد عزت الشاذلى – معيد اقتصاد بزراعة الازهر- الى تاييد مسئولية بوش الابن عن تسهيل الائتمان لاقراض من لا يتمتعون بسجلات ائتمانية مناسبة والتوسع فى توريق الديون وجر امريكا الى الحرب والتعامل المالى اللاخلاقى الذى سار على منهج "فى سبيل الغنى تهون كل قذارة " وقال انه لايعلم متى ينتهى تاثير الازمة على مصر وغيرها وتوقع ان يزداد تدخل الدول فى الاقتصاد وظهور سلسلة من الازمات الفرعية على غرار دبى وقد نرى فى المستقبل تطبيق الاقتصاد الاسلامى الذى يربط بين الجانب الاقتصادى وبين الاخلاقى والاجتماعى برباط وثيق .واكد انه لن يكون لدينا جيل جديد من الباحثين الا اذا اهتمت الدولة بالبحث العلمى واصبحت البحوث لا توضع على الرفوف رافضا " طحن" الباحث فى تدبير المعايش واشار ايضا الى غياب المعلومات الدقيقة بل ووجود معلومات مضللة ما يقود الى ان تخرج رسائل فى النهاية ضعيفة جدا .قال انه كان يتمنى وجود باحثين شباب من الدول العربية بالمؤتمر لتوسيع دائرة المعارف كما طالب بتحديث وتنقيح المقررات فى اقسام الاقتصاد .وبهذه المناسبة قال لى الباحث السودانى الدكتور فتح الرحمن محمد صالح الذى حضر على نفقته انه يطلب ان تشمل المناهج الاقتصادية فى كلياتنا العربية مادة قضايا عربية اقتصادية معاصرة فليس مقبولا ان نتحدث عن ان المصالح اساس التقارب المتين ولاتوجد مادة كتلك وكان هو الذى انفرد – فى ورقة قدمها لى متطوعا – بالتنبيه الى ضرورة مراعاة التكلفة المستقبلية لحزم الانعاش الاقتصادى فى مصر وغيرها . دانت اسراء عادل السيد – جامعة القاهرة – الجشع والطمع والرغبة فى تعظيم الثروة على حساب المصلحة العامة كابرز اسباب الازمة العالمية واشارت الى ان الخسائر التى لحقت بالمستثمرين ستجعلهم اكثر حذرا كما ان المدخرين ايضا سيكونون حذرين فى التعامل مع القطاع البنكى وبالتالى يميلون اكثر الى الاستهلاك ومحصلة هذين العاملين مزيد من التراجع فى الاستثمار ومعه مزيد من البطالة .دعت الى تنسيق اكبر بين القطاعات فى مصر لانجاح الحزم الانعاشية و قالت اسراء انه لن يكون هناك بحث علمى حقيقى الا بتوافر مناخ ملائم للبحث يشجع على الانتاج القابل للنشر فى الدوريات العالمية مع توفير الحوافز المعنوية والمادية المطلوبة وعابت على الباحثين بعامة الجرى وراء انشطة مدرة للمال بدلا من كتابة ابحاث علمية لها نتائج قابلة للتطبيق وتؤثر فى صنع القرار .تحدثت عبير رشدان – منتدى البحوث الاقتصادية للشرق الاوسط وتركيا – بتوسع عن ان غياب الرقابة على حرية انتقال الاموال يزيد من ضراوة وتوحش العولمة وانتقدت الحزم المالية المصرية قائلة ان التوازن بين المشروعات كثيفة العمل وتلك كثيفة الالات فيها لم يكن على النحو المرجو واعتبرت ان ازمة دبى ذات طابع خاص لانها ابنه العديد من العوامل المالية والمؤسسية بدول الخليج وليست وليدة الازمة العالمية فقط وانفردت ايضا بالتنبيه الى انه لامناص اقليميا من تحقيق التكامل بين التصنيع والتجارة والنمو مع تعزيز الاتجاه الاقليمى بالمنطقة .ودعت الى حلقة وصل بين اجيال الباحثين لتفادى الانقطاع وقالت ان الجيل الجديد يصل للمعلومة اسرع لكن المعول عليه كيفية جعلها مفيدة وقالت انه مع تسارع ايقاع الحياة وضيق الوقت لم يعد امام الباحث الشاب ميزة التمتع بخبرات السابقين ولم يعد امامه سوى التعامل الفردى مع مصادر المعلومات والعيش تحت رحمة الحظ والقدر فى تشكيل مستقبله .

ذكرت ان الاقتصادات العربية تعانى من ازمات داخلية مزمنة بالاصل اهمها تقلب معدلات النمو وسوء هيكل العمالة وعدم استدامة التنمية والتزايد السكانى ودعت الى اعداد الاستاذ الجيد ليكون هناك جيل جديد جيد واخضاع الانتاجية العلمية لمعايير يمكن قياسها . ومن جانبها اكدت شيماء الصفتى الباحثة الاقتصادية بالامانة العامة لمجلس الوزراء ان الأزمة لن تؤثر على الاستثمارات الاماراتية فى القاهرة لكن تاثيرها سيكون على دول المنطقة بما فيها مصر خاصة الاستثمارات الجديدة وكذلك شركات المقاولات والمحاسبات القانونية والمحامين ودعت الى ربط المبادئ النظرية لعلم الاقتصاد بباقى العلوم الاخرى و تقريب المبادئ النظرية بعرض حالات مطبقة فى الواقع المعاش بالاضافة الى توفير وتأمين اجراء بعض البحوث الميدانية.وثمنت قيام الشباب بتطوير جمع المادة العلمية ووضعها فى متناول الجميع عبر شبكة الانترنت ما ادى الى سهولة اجراء الابحاث العلمية للكافة.انتهى كلام الشباب فى لقاءات بيروت ليتركنا مع الامل فى ان تبقى مصر ولودا.

مصادرنا الصحافية المقبلة 1-2

بيروت خيمتنا الأخيرة كما قال الشاعر الراحل محمود درويش فبعد سنوات من الغياب عنها انعقد بها مؤخرا المؤتمر العلمي العاشر للجمعية العربية للبحوث الاقتصادية بحضور عدد من كبار الاقتصاديين والاقتصاديات العرب منهم اليمينى واليسارى والوسطى وما بين ذلك من تلاوين وكان من اللافت مشاركة 8 باحثين مصريين شباب فى مؤتمر هذا العام فى مبادرة غير مسبوقة هدفها تحقيق التواصل بين الأجيال وقد شاركوا بمنحة من وزارة الاستثمار المصرية . ناقش المؤتمر الاقتصادات العربية وتطوراتها بعد الأزمة المالية العالمية ودارت سجالات عنيفة بين الحاضرين امتدت على الساحة من قول المفكر اللبنانى الدكتور كمال حمدان إن البشرية انتقلت من ديكتاتورية الطبقة العاملة إلى ديكتاتورية أسواق المال ( وول ستريت ) وان الأزمة ستقود حتما إلى نوع ما من رأسمالية الدولة او الرأسمالية الخضراء ولا نقول نوع ما من الاشتراكية إلى قول الدكتورة كريمة كريم – مصر – : مخطىء من يتصور إن الرأسمالية دخلت حجرة الاسعاف فهى تجدد وتصحح نفسها بالعلم والمعرفة والابتكار كما امتدت السجالات ايضا بين الحماس للمصرفية الاسلامية وتقديمها على انها الحل للمازق الذى تعيشه الانسانية بسبب النظام المالى الغربى او الربوى المتاجر بالنقود واغلبية رات ان تلك المصارف تتخذ من الاسلام غطاء وتستثمر فوائضها فى المصارف الغربية وتبيع الخدمات باغلى من البنوك التقليدية منبهة الى وجوب التفريق بين مبادىء الشريعة وبين التطبيقات التى تتمحك فيها. كان هناك من قال ان العالم العربى الاقل تاثرا بالازمة بشكل عام ومن راى ان البلاد العربية الى فوضى وانفجارات لان ازماتها عميقة من قبل الازمة العالمية ومن بعدها وهكذا . فى الثنايا قال الدكتور محمود محيى الدين وزير الاستثمار وعضو مجلس ادارة الجمعية فى الجلسة –الوحيدة التى حضرها - اننا نعيش مرحلة بديعة لطلبة العلم تشبه تلك التى ولدت فيها النظريات الاقتصادية الكبرى وان العالم ينتظر الان " ادم سميث " جديد (صاحب كتاب ثروة الامم وكتب اخرى عن الاخلاق والفلسفة ) و" ماينرد كينز" جديد (صاحب نظرية تدخل الدولة وقت الازمات لتحريك الطلب المحلى) . عند تلك اللحظة قفز الى ذهنى ضرورة سماع صوت الباحثين الشباب (6 انسات وسيدات واثنين من الرجال ) وبما انهم لم يتكلموا طوال الجلسات لانهم كانوا يخشون طرح اسئلة مخافة ان يصفها احد بالتافهة او ما إلى ذلك كما قالوا لاحقا فقد قلت فلتكن المصري اليوم منتداهم فهم مصادرنا الصحفية المقبلة ولنبحث معا أيضا عن جلال أمين وحازم ببلاوى وإسماعيل صبري وسعيد نجار جدد واتفقت معهم على ان يقدم كل واحد منهم رأيه مكتوبا فى أسباب الأزمة العالمية وانعكاساتها على مصر وتعامل الحكومة معها وما يتوقعه من تداعيات أخرى لها مستقبلا خاصة بعد ظهور مشكلة دبي و الفارق برأيهم بين الباحثين الجدد والقدامى وكيف يرون أقسام الاقتصاد فى جامعاتنا. وكان لافتا ان اى منهم لم يذكر فى إجابته كلمة الاشتراكية ولا جملة العدل الاجتماعي وكذا لم يذكر الاقتصاد الاسلامى- باستثناء واحد - رغم ان منهم 3 من جامعة الأزهر الشريف. أيضا خلت الإجابات من نبرة النقد الحاد للحكومة مع انهم يتمتعون بالطموح والذكاء وعدم الرضا عن الواقع الراهن وكخلفية ابعد عنهم أقول فى ضوء جلسات السمر التى جمعتنا أن منهم من كان يتمنى ان يكون ضابط مخابرات واخر كان يود وهو صغير أن يكون كصلاح الدين ويوحد العرب وثالثة قالت انها حلمت بتولى زمام الأمور لتمنح كل مصري فيلا وعملا محترما واثقة ان بمصر من الموارد والرحمة ما يتيح تنفيذ ذلك ورابعة دعت إلى طريقة للحد من الهزل بين الشباب ليعرفوا أن لا تقدم من دون جدية وتراكم معرفي وخامسة كانت تتمنى إن تكون مصممة ديكور وسادسة إعلامية .... تبين أن منهم من لم يركب طائرة قط من قبل ومن لم يزر كنيسة من قبل وقد عرفت هذا حين زرنا تمثال العذراء البتول فى أعلى جبل " الحريصة" وهكذا . الستينات ليست من مفردات خطابهم ومع ذلك لاحظت انهم اندمجوا بحماس فى الاغانى الوطنية القديمة التي اقترحتاها (صورة صورة – واحلف بسماها وبترابها - .. ) وعبروا عن سخطهم على الغناء الجديد وكان واضحا رفضهم للنزوع المادى للباحثين القدامى او الجدد وان كانوا اتفقوا جميعا على ضرورة توفير الموارد اللازمة للجهات البحثية والباحثين وقدموا اقتراحات جادة لتطوير الدراسات الاقتصادية وتعزيز الانفتاح على الفكر العالمى والمدارس المختلفة وظنى ان ذلك جاء بعد ان لمسوا بانفسهم مدى فائدة التباين الشديد بين وجهات نظر الاساتذة فى المؤتمر وكيف لازالت نظريات ولدت منذ عقود اوقرون تؤثر فيهم كما انهم استمعوا الى اكثر من دعوة الى اعادة قراءة علم الاقتصاد فى شموله اى فى ارتباطه بالعوامل السياسية والاجتماعية والثقافية . لم يشكر وزارة الاستثمار على مبادرتها سوى واحد وفعلها بلغة راقية هذا رغم ان الرحلة تشكل نقطة تحول مهمة فى حياتهم . أخيرا كانت الفروق بين الازهريين والاخرين محدودة فى الشكل والجوهر وظنى ان ذلك راجع الى الاثر التقدمى الذي تثيره دراسات علم الاقتصاد والاقتصاد السياسى فى متلقيها. اجمع الشباب على الأسباب المعروفة للازمة العالمية لكن كان منهم من جعل الغش والتدليس و فساد الأخلاق فى المقدمة كما اتفقوا على ما أصاب مصر من جرائها وتميزوا - عدا هنات عند واحد- بانضباط فى اللغة والمفاهيم و ساكتفى بعرض ما هو مختلف فقط فى اجاباتهم. قالت ماجدة رءوف – مدرس مساعد بمعهد التخطيط القومى - ان القطاع المصرفى المصرى لم يتاثر بالازمة لانخفاض درجة انكشافه على الاقتصاد العالمى وتوقعت ان تستمر التداعيات فى الاجل المتوسط الى ان تزول الديون الفاسدة وقالت انه يمكن ان يكون لدينا جيل جديد من الباحثين الجادين كلما ارتفعت درجة التلمذة العلمية والانفتاح على ثقافة الاخرين وحضاراتهم وزيادة الشغف بالعلم وطالبت الاعلام بنقل وجهات نظر الاقتصاديين العرب الكبار الى الجمهور اما سحر احمد حسن المدرس المساعد بتجارة الازهر فاضافت الى اسباب الازمة العالمية الانفاق العسكرى الامريكى فى العراق وافغانستان ولفتت الى ان مصر لن تتمكن من تحقيق اهداف الالفية ( القضاء على الفقر) فى موعدها بسبب اعباء الازمة ووصفت اثار مشكلة دبى بالشديدة وخسائرها بالفادحة ونبهت الى ان البون شاسع بين الباحثين القدامى والجدد لان المتغيرات العربية والمصرية افقدت التعليم دوره وقدرته على خلق جيل متمكن داعية الى تدارك ذلك بكل الوسائل

وطالبت اساطين العلم الاقتصادى العرب بالتوصل الى حلول عملية لمشكلاتنا بدلا من الاكتفاء بكلام المنصات .


الاثنين، 25 يناير 2010

«زمزمية» أمل (٢-٢)

بقلم مصباح قطب ٢٤/ ١/ ٢٠١٠

افتتاحية التضحيات بطريق الصعيد ـ البحر الأحمر بدأت عند محاولة صعود لودر من خور وعر ينخفض ٧٣ مترا عن منسوب الطريق بوصلة سوهاج فقد انقلب اللودر ومات اثنان وقد رأيت الطريق الذى سقطا منه وتعجبت كيف غامرا أصلا بارتقائه فدرجة ميله نحو ٨٠ بلا مبالغة أى أنه يكاد يكون عموديا.

فيما بعد عرفت قصصا أخرى عمن دفعوا حياتهم ورحلوا بلا نصب تذكارية إلا ما سال من دموع صادقة وحارقة من زملائهم فى الشقاء واللقمة.. الحزن على الموتى هنا مزلزل لأن العشرة بين الناس حقيقية وقد أخجلنى ذلك حين تذكرت حزننا البلاستيكى السمج على الأعزاء الذين يرحلون وننساهم بعد أول عبارتى مواساة فور تلقى النبأ: مش معقول.. ياه.. الله يرحمه. بالمصادفة تصادمت سيارتا نقل على مبعدة مئات الأمتار منا فى قلب الجبل لأن السائقين كانا مسرعين باندفاع بغية نقل كميات رمال وحجارة أكبر لينالا أجرا إضافيا.

مات واحد وتركنا الثانى بين الحياة والموت... لا يهز المرء شىء قدر أن يخرج إنسان أجير إلى باب الله سعيا إلى رزق حلال فيعود إلى داره قبل موعد نهاية الوردية جسدا بلا روح وربما اشلاء جسد. يتطلب الطريق الذى سيفتتح الرئيس «الفردة» الأولى منه ربما نهاية هذا الشهر تنفيذ أعمال بحجم ٧٣ مليون متر مربع من التراب (السد العالى الرمز ٤٣ مليونا).

وتطلب لنسف الصخور ٨٠ طنا ديناميت فى تفجير واحد فقط و٢٢ كيلو مترا من المواسير لزوم عمل برابخ للسيول كما تطلب استخدام نحو ٩٠١ معدة ثقيلة من أصناف شتى غير ما يقدمه مقاولو الباطن مع عامين ونصف من العمل من أكثر من ٢٠ ألف إنسان وسيتبقى ما لن يكتمل إلا فى ٢٠١١.

مشاق لا مثيل لها وقصة هندسية وتمويلية وتنموية غاب عن ذاكرتنا مثلها منذ سنين طويلة. قال عامل «شوكة» أمى بتلقائية إن الطريق هو أحسن مشروع خيرى للبلد دى واعتبر آخرون أنه سيحسب فى ميزان حسنات من عملوا به لأن من سيزورون النبى الغالى بحرا سيمرون عليه (هنيالهم وعقبالى).

شرح آثار الطريق التنموية المتشعبة يطول لكن أهم ما ينطوى عليه هو تحدى إنشائه بعد عشرات السنين من التردد وآلاف السنين من الحلم بأن يعانق النيل البحر الأحمر.. كأننا نعود إلى قبس من الزمن الذى قال رشدى سعيد إن النيل فيه كان يصب فى البحر الأحمر قبل أن تقود صدفة جيولوجية فذة إلى فتح طريق له إلى المتوسط. فى منطقة بوادى حبيب بأسيوط ثمة ٤٠٠ متر مذهلة من الطريق تمر بين منخفضين سحيقين وهى ناتج ردم بارتفاع ٨٠ مترا قال مسؤول عن هذه الوصلة التى تحيط الجبال منخفضيها إنها تذكرنا بـ«الصراط» فى الآخرة.

هدير المعدات المدوى فى وادى «جوردى» على مبعدة بوصلة سوهاج (يجرى فيه إتمام تعلية بارتفاع ٧٥ مترا وبالتوازى خفض صخور جبلية مجاورة ارتفاعها أكثر من ٦٥ مترا ليمر الطريق) هدير خلق ليبقى فى الأذن كترتيلة حب لمن عمل هنالك.. «الفاحت نازل والبانى طالع» كما قال أولاد البلد فسلام على الصاعدين من صاحب أول ضربة فى الجبل إلى زارع آخر «عين قطة» معدنية على الطريق لتضيء للمسافرين ليلا. سلام. سلام، ولا نامت أعين اللصوص والطفيليين والطائفيين سارقى الفرح والأمل وحتى كحل العيون.

عن المصري اليوم ٢٤ يناير ٢٠١٠

mesbahkotb@yahoo.com

الجمعة، 22 يناير 2010

زمزمية أمل (1 من 2 )

كتب مصباح قطب

وسط الخواء الشامل الذي يحيط بنا. والخواء المضاد الذي ينتجه من يدعون إنهم عكس " دوكهمت " تتوه مصر الحقيقية وتضيع ملامحها. ما دامت مصر- فى النهاية - تأكل وتشرب وتعيش و" تتنهب" فلابد أن هناك من يتعب ليتحقق ذلك ولابد أن هناك من يعمل ولذا لا تفنى العناقيد . الإعلام التجاري و الإعلام البيروقراطي إلا فيما ندر غير قادرين او راغبين فى البحث عن القيمة وسط من ينتجونها بعقولهم وسواعدهم وأرواحهم وبكل ألوان " المدوحرة" والإحساس بالواجب والمسئولية تجاه الانسانية والوطن دون ضجيج أو ادعاء . يخشى المرء أن يؤدى طنين الخراب الراهن إلى ألا يعرف الناس ان بلدهم لايمكن أبدا اختزالها فى هؤلاء " العقماء "الذين يمسكون بمقاديرها ويريدون أن يرثوها بالحيا . فى احتفال جوائز ساويرس الثقافية منذ أيام كنا إزاء مئات المبدعين فى القصة والرواية والمسرحية والسيناريو الذين تقدموا للمسابقات واستوفوا شروطها ولم نكن قد سمعنا عن 95 % على الأقل منهم من قبل وقد جاءوا من كل صوب فى البلاد وقال المحكمون عن أعمالهم التي فازت والتي لم تفز إنها تتسم بالجسارة والجدة والقدرة الهائلة على الإدهاش ولذلك سالت حاضرين من مجلس أمناء المؤسسة : لماذا تبدو مصر فى هذه اللحظة غنية وعفية وعلى مبعدة خطوات فى الشارع والمؤسسات السياسية والتنفيذية والحزبية وحتى الثقافية والمدنية تبدو فقيرة بائسة محطمة الوجدان والضمير ومبعثرة ؟ . كان من رأى سميح ساويريس إن السبب هو أن النخبة اللي ماسكة الأمور مش نخبة أصلا وهى أفقر من أن تستقطب " الغنى" ، المعرفى ، والاقتدار، أو تشجعهما إن لم تكن تعتبرهما أعداء . قبلها بيومين كنت على موعد آخر مع مصر الأخرى… حيث عشت أياما فى الجبل بقنا وسوهاج وأسيوط مع عمال وفنيين وإداريين ومساحين ومهندسين يعملون فى شبكة طريق الصعيد البحر الأحمر( 412 كيلومتر تخترق صحراء مصر الشرقية ) وتعرفت إلى أبعاد أخرى لمعنى الإنسان والإيمان والوطنية والشرف بل ولمعنى الحياة والشمس وسأشرح . يعمل الناس هنا من أول ضوء إلى آخر ضوء حرفيا والشاطر فيهم اللي يلحق يصلى العشاء او يتفرج على مباراة كرة مذاعة ليلا بسبب الإعياء. تعمل الشمس هنا – كالبشر - باستقامة وجدية حيث لفت نظرنا أنها تنحدر ساعة المغيب بسرعة غير معهودة وكأنها لا تريد أن يطول يوم العارقين ولو لدقيقة أكثر رأفة بهم . منبر المسجد فى استراحة العاملين بوادى قنا ارتفاعه 40 سم لكن رائحة الإيمان العميق تنبعث شامخة من كل فعل وحرف وكلمة وسلوك ولقمة أو حتى أسمال بالية معلقة على منشر غسيل ليلا . الألفاظ المهنية منحوتة بعناية وممتلئة بالمعنى ... ألفاظ مثل "سماحيات" اى نسب السماح بتجاوز قاعدة معينة ، والدمك والهرس والتبب (جمع تبة ) والتكاسى اى كسوة التراب المائل بالحجر لمنع الهيل ، والمساطيح وهى المصاطب التي تقام فى أسفل التعليات الترابية المعمولة لردم خور عميق وأيضا هدفها منع الهيل ،و " الرابطة" اى الطبقة العليا من الإسفلت وهكذا . تتعجب من سر تلك الصداقة بين هؤلاء البشر حيثما حلوا وبين الاخضرار .. ففي قلب الصخر والرمل بكل منطقة كان ثمة من زرع زهورا وقد رأينا كيف زرع عمال أمام مساكنهم البسيطة فولا اخضر وجرجير وأيضا : سيسابان… انه النبات الذى كنا نتغنى به مديحا فى البنات اللواتي نحبهن ونحن فى فرق مقاومة الدودة بالأرياف : يا محلا ضل الساسبان ،السا سا… بان .. الساسا .. بان، مستمتعين بالتورية الحسية الكامنة فى نطق الكلمة مقطعة . رأينا عمالا تمر عليهم أسابيع لا يأكلون فاكهة ليوفروا قروشا رضية لأسرهم ولا يأخذون الإجازات المقررة هم ومهندسوهم (7 أيام كل 25 يوما ) تطوعا . يقتصر طعام البعض ممن يبيتون فى الجبل أو الاستراحات على الفطيرة " أم زيت" و" أم" جنيه أو جنيه ونصف مع كوب شاي مصنوع فى كنكة سمك الهباب عليها نحو سنتيمتر!!
---
عن المصري اليوم ١٧ يناير ٢٠١٠

mesbahkotb@yahoo.com

السبت، 5 ديسمبر 2009

أزمة دبي: نهاية عصر «المعلقات» الاستثمارية (2-2)

كتب مصباح قطب/ لفت النظر في أزمة مديونية دبي أنه لم تتم مناقشتها في مجلس الوزراء الاتحادي، الذي يرأسه الشيخ محمد بن راشد نفسه، أو المجلس الوطني ــ يقوم بدور مجلس شورى ــ في الوقت الذي يطالب فيه الشيخ محمد العاصمة (أبو ظبي) بتحمل مسؤوليات تجاه المديونية، مشدداً على أن دبي جزء لا يتجزأ من الاتحاد، ولائماً من يتحدثون عنهما كإمارتين مستقلتين.

ويكاد لسان حال من يسمعه يقول: (في الهم مدعية وفى الفرح منسية) فقد كانت المنافسة بين الطرفين قد بلغت حد إطلاق اسم الناقل الوطني على طيران دبي وكأنها بديل طيران الإمارات. أيضا فإن الشيخ الذي قام بعملية تغيير واسعة في قيادات الشركات القابضة والتابعة المملوكة للحكومة لم يعلن نتائج أي تحقيقات أجريت مع من كان قد تم اتهامهم رسميا بالفساد في الأشهر الماضية بعد اندلاع الأزمة المالية، كما لم يعلن الأسس الجديدة التي تم بناءً عليها استبعاد قيادات واختيار أخرى، والمعايير التي ستقوم عليها الاختيارات مستقبلا، وهل ستنتهي بالفعل سياسة أهل الثقة قبل الخبرة.

ومن المفارقات أن الشيخ محمد كان قد قال منذ أيام في اجتماع منتدى دافوس للأعمال بدبي، إن الصمت والفراغ المعلوماتي سمحا للشائعات حول اقتصاد دبي بأن تنتشر، ووعد بالوضوح والاتصال المفتوح، وعليه في هذه اللحظة أن يفي بوعده وأن يقدم على الأقل كشف حساب عن مديونية دبي العالمية وكيف تفاقمت إلى هذا الحد، وأين كان مراجعو حسابات الشركة وموقف التدفقات النقدية للمشاريع المختلفة، وموقف شركات التأمين التي تولت التأمين على القروض.. الخ. لقد دأب الدكتور سلطان أبوعلي، وزير الاقتصاد المصري الأسبق، على القول إن مصر ستبدأ في التأثر بالأزمة العالمية من أول يناير وفبراير المقبلين ولم يقدم تفسيرا كافيا..

وبعد أن ظهرت مديونية مجموعتي الصانع والقصيبي في السعودية (٢٢ مليار دولار) فجأة في الشهر قبل الماضي، وبعد أن ظهرت مديونية دبي العالمية وأخواتها فجأة الأسبوع الماضي، فإن كثيرين يخشون أن تكون هناك مخفيات كثيرة في البنوك والشركات الكبرى بالذات العاملة فيما يسمى بجزر النعيم الضريبي، ودبي ــ تقريبا ــ واحدة منها، وأن تلك المخفيات ستظهر لاحقا مما يهدد اقتصادات كثيرة، منها المصري وغير المصري، وبالتالي فإن الدكتور أبوعلي لديه بعض الحق.

وكان من دروس الأزمة أيضا أنه لا يصح إلا الصحيح.. إذ ليس مصادفة أن موانئ دبي ــ إحدى وحدات دبي القابضة ــ لا تزال محتفظة بقوتها، وهى من كبرى شركات تشغيل الموانئ في العالم ذلك لأن الميزة الظاهرة في دبي هي الموقع الفريد في طريق تجارة الشرق مع الغرب والعكس، وقد كانت عملية توظيف الميزة في بناء موانئ عملاقة ومحطات ترانزيت قرارا رائدا وسباقا،

أما ماعدا ذلك من مشاريع الأعلى والأوسع والأقوى.. فكلها تحتاج إلى مراجعة. ويبقى القول إن الخطوة الجبارة التي اتخذها حكيم العرب الشيخ زايد بإقامة الوحدة الفيدرالية بين الإمارات السبع بحاجة إلى خطوة أخرى لا تقل شجاعة حتى تستطيع الإمارات أن تواصل سيرها بأمان، فلا يمكن أن يستمر البزنس في النمو دون إطار سياسي حديث ومساند، ولعل تلك اللحظة تلهم قادة الإمارات الكرام إلى تلك الخطوة فيقومون مثلا بتوسيع وتفعيل مجلس الشورى أو ما يشبه، فأهل مكة أدرى بشعابها،

كما أن مشروع التنمية هناك لابد أن تكون له جماهير تسانده بالداخل وتشارك فيه وتذود عنه وتتحمل من أجله التضحية إذا تطلب التضحية في لحظة كتلك التي نعيشها. المضاربون ووسطاء أسواق المال أكثر من يصرخ عند الأزمات وأول من يفر، ومثلهم المدراء الخواجات وتابعوهم. تجربة دبي ملك لكل العرب، ومن واجبنا جميعا أن نعمل على استمرار توهجها.

- نشرت في المصري اليوم – مصرية يومية مستقلة، 3 ديسمبر 2009