الخميس، 29 أكتوبر 2009

اختبار لإيماننا بالعالم التعددي : كيف سنستقبل كلمة رئيس وزراء الصين للعالمين العربي والإسلامي

مصباح قطب.
ما شكل الترتيبات يا ترى التي ستقوم بها العاصمة المصرية استعدادا لقيام رئيس الوزراء الصيني بإلقاء كلمة إلى العالمين العربي والإسلامي من مبنى الجامعة العربية العتيد بوسط القاهرة يوم 7 نوفمبر المقبل ؟
أي الشوارع سيمر منها الضيف الكبير وأيّ اللافتات سترفع له وأيّ أنواع الزهور ستتزين بها المواضع التي سيجوبها
موكبه؟ كم ستنفق العاصمة على التأهل لاستقباله وهل ستحتشد له كما احتشدت لزيارة أوباما الشهيرة التي ألقى خلالها كلمته إلى عالمنا العربي الإسلامي من جامعة القاهرة منذ أشهر؟ ما المواقع التي اختيرت ليزورها ليرى فيها أيضا رسالتنا ورسالة الدولة المضيفة- مصر - إلى الصين وشعبها ؟ ما شكل الاهتمام الذي سيبديه أبناء ذينك العالمين تجاه هذا الخطاب المرتقب وأيّ المقاطع يا ترى سيتوقفون عندها وأيها سيصفقون لها أو يستعيدونها ويركزون عليها فى التحليلات الصحفية والفضائية؟

هل سيستعين الضيف الشيوعي بآيات من القران والإنجيل فى خطابه؟ ماذا إذا افتتح بالقول " السلام عليكم" باللغة العربية اقتداء بما يقوم به الكثير من المسئولين الصينيين فى كلماتهم أمام أي محفل عربي أو إسلامي.. هل سيكون لذلك نفس مذاق استخدام أوباما للجملة؟.

هناك الكثير من الأسئلة على هذا الطريق ولا أريد أن استطرد فما أود التأكيد عليه أن تلك اللحظة يجب أن تكون بداية لتتويج وعى جديد بالتعددية الاقتصادية والسياسية التي تنشا على حساب عالم القطب الواحد و بأهمية آسيا فى صياغة مستقبل الإنسانية الذي يتشكل حاليا. منذ زمن واهم نقد يوجه إلى الثقافة المصرية أو العربية هو إهمالها للشرق وإدمان التوجه غربا والانبهار بالثقافة الأنجلو سكسونية دون نقدها بشكل جاد والآن أصبح علينا " واجب" دراسي ثقيل لفهم آسيا ونفسية شعوبها ما يقتضى الكثير من المذاكرة لتعويض ما فات من جهلنا. إن من الغريب أن واحدا من أهم المفكرين فى العالم السباقين فى مجال توقع أن تتحرك صناعة التاريخ والحضارة شرقا ومنذ نحو أربعين عاما هو مصري ألا وهو الدكتور أنور عبد الملك صاحب الكتاب الشهير "ريح الشرق" وهو – أي د. عبد الملك - أكثر من رايتهم فى العالم العربي اهتماما بهذا البعد حتى الآن كما يتجلى فى كتاباته الأسبوعية بجريدة " الأهرام" وأحاديثه. لقد فعل ذلك فى الوقت الذي كان المفكرون الغربيون ينتجون تنظيرات تتوقع أن تظل آسيا فقيرة دوما بسبب ما هو راسخ فيها من معتقدات معطلة للتقدم من وجهة نظرهم. ولم تكن النخبة العربية الثقافية هي الملومة وحدها فالساسة أيضا كانوا طوال الوقت يتكلمون عن أهمية الصين وعن العلاقات العربية الصينية الوطيدة وعن حضارة الصين والهند بيد أنهم لم يبذلوا أبدا الجهد الكافي لاستيعاب نتائج الصعود الصيني/ الهندي الاقتصادي والاجتماعي المهول ( والآسيوي بعامة ) وأثره على تغير موازين القوى الدولية وكيفية توظيف ذلك لتحقيق الأماني العربية كل ذلك أيضا رغم كثرة البروتوكولات التي تم توقيعها بين الصين و دول المنطقة للتعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري.

والطريف أننا كنا ننظر إلى اليابان فى صعودها بعد الحرب العالمية الثانية وكأنها استثناء أو جزء من الغرب الذي دمرتها قواته التي أناخت على أرضها متمثلة فى القواعد الأمريكية ولم يستطع اغلبنا على الأقل أن يتبين دلالة ذلك الصعود على مسار خروج آسيا من شرنقة التخلف وإمكان أن يشمل دولا أخرى كما حدث لاحقا مع الصين ثم كوريا ثم تايلاند وهونج كونج وتايوان وماليزيا واندونيسيا والهند.

الأنكى مما تقدم كله أن رجال " البزنس" العرب أدركوا ومنذ نحو ربع قرن أهمية الصين كمورد للبضائع الرخيصة حيث السوق العربي بشكل عام هو سوق سعر قبل أن يكون سوق جودة وانهالوا استيرادا للبضائع الصينية بل وتهريبا لها أحيانا إلى بلادهم وكثرت الكتابات الساخرة من انتشار البضائع الصينية فى كل متجر وعطفة بل ووصولها إلى البيوت وهى بضائع شملت حتى سجادتا الصلاة وفوانيس رمضان وتذكارات الكنائس وفوط الحلاقين ووصلت أخيرا إلى محطة غشاء البكارة ! ! إن أحدا من رجال الأعمال العرب ومنظماتهم لم يقدر أن هذا الصعود التجاري للصين لابد سيعقبه صعود سياسي مواز وكأننا تصورنا أن الأدب الصيني الجم سيظل قانونا فى السياسة كما هو فى المعاملات الرسمية مع الغير أو كأن الصين مهما قويت اقتصاديا لن ترفع عينها على الغرب عملا بالمثل العربي " العين ما تعلاش على الحاجب" والمؤلم أن رجال الأعمال لم يلتفتوا اللهم إلا مؤخرا وجزئيا إلى أن فى الصين شيئا مهما ابعد من الفوانيس والسجاجيد ألا وهو التكنولوجيا الرخيصة والقدرة المدهشة على ابتكار التصميمات الجديدة...

لقد رافقت وفدا رسميا مصريا برئاسة وزير التجارة والصناعة لتلك البلاد منذ عامين ونصف ولمست كيف هال رجال الأعمال بالوفد أنهم يستطيعون شراء مصانع الاسمنت بنصف ثمنها الغربي كمثال وشاهدوا بأعينهم أن الصين ليست ذلك البلد الذي يبحث عن رزق يطعم به أهله من خلال إنتاج سلع خفيفة ورخيصة وتسويقها ولكنه بلد مبتكر ولديه طموح جامح للوصول إلى مكانة فى عالم الغد والى تكنولوجياته الخاصة والسبق فى مجالات الاقتصاد الجديد وعلى رأسها الطاقة والزراعة الحيوية وهو يغلف طموحه بمسحة تواضع كأنها توجيه سياسي لان الكل يقول وفى كل مناسبة وبنفس اللغة تقريبا : إننا مجرد بلد نام ومن العالم الثالث. ! !. لا أحد يحتاج الآن إلى التذكير بموقع الصين الاقتصادي ولا قوتها واحتمال أن تقود الاقتصاد العالمي بدلا عن الولايات المتحدة العام 2020 وكيف أصبحت لاعبا مؤثرا فى مجموعة العشرين التي ستقود العالم من الآن فصاعدا بديلا عن أي تجمعات أخرى.

لقد بات كل ذلك معروفا لكن من المهم أن نرتب عليه النتائج الصحيحة ولذلك أدعو إلى ألا نتعامل بعدم جدية مع كلمة رئيس وزرائها التي سيلقيها قبل يوم واحد من قمة الصين وأفريقيا التي ستعقد فى منتجع شرم الشيخ المصري الشهير وسيفتتحها الرئيس المصري محمد حسنى مبارك. لقد انشغلنا عن الأصل فى خطاب أوباما الذي هو الاقتصاد واستغرقتنا المحسنات البديعية الجميلة وكاريزميته المؤكدة ولم نقم بإدارة حوار عقلاني مع إداراته فى التو حول المصالح المشتركة بأعمق معانيها بل ولم نهتم بما تطوع به هو نفسه واقترحه كالتعاون فى مجالات التدريب والطاقة النووية ورعاية المتفوقين ونوادي التكنولوجيا ومساعدة المشاريع الصغيرة والمتوسطة والبعثات العلمية.

إن إعلاء المصالح المشتركة العادلة مع أمريكا على ما عداها هو وحده الذي سيجعل أجواء سوء الفهم والتطرف خلف ظهورنا بل وهو أهم مدخل لتخفيف وقوف الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل تدريجيا وإضعاف العلاقة العضوية التي تربطهما والتي أضرت إلى ابعد مدى بأمتنا العربية وبعالمنا الإسلامي .

ضعوا من الآن سلة مطالبكم من الصين وقدموا لها ما يؤكد إنكم راغبون فى تعاون بعيد المدى ومتسع ومستمر.فاوضوها بشكل جماعي واع فى مبادئ التعاون..اربطوا التجارة بالاستثمار ونقل التكنولوجيا واربطوا أيضا الاقتصادي بالسياسي بشكل حصيف فإسرائيل تزحف إلى الصين منذ سنوات وقد أدركت أنها الحصان العالمي المقبل وكعادتها لابد أن تتحالف مع القوى الصاعدة أيا ما كانت وتلتصق بها وتبدل تحالفاتها بكل يسر وبلا عواطف. اقترح أن تكون الزراعة أهم مدخل للتعاون مع الصين فهي لن يضيرها أن نأكل مما نزرع حيث لا مجال للتنافس في هذا المجال بيننا وبينها فصادرات الصين الزراعية تبقى محدودة فى النهاية.

إن الأسوأ أن نستمع إلى الخطاب ثم نرمى وراء ظهورنا كأننا بإزاء حدث بروتوكولي.
الصين تأخذنا بجدية كما تأخذ غيرنا ولعل المتابع لتوغلها فى أفريقيا وأمريكا اللاتينية يدرك ذلك وإذا لمست إننا مصرون على الخروج من التاريخ فستذهب إلى غيرنا وسيكون الفارق بينها وبين السلوك الإسرائيلي عند التبديل فى هذه الحالة هو أنها قد تنعم علينا بانحناءة كبيرة حين تنصرف عنا.. يا له من أدب ويا لنا من قوم وقتئذ !!.

--

نشر سابقا في جريدة عمان دايلي - أكتوبر 2009

قميص واقٍ من الرصاص

الحقد الذي استقبل به الجمهوريون فى الولايات المتحدة فوز أوباما بجائزة نوبل للسلام يدعوك للتساؤل :هل كان لزاما أن تذهب لواحد من عصابة بوش / ديك تشيني حتى يهنأ هؤلاء ؟ ومنذ متى يعترض مثلهم على تسييس نوبل وهم من ساند تسييسها طوال تاريخها نكاية فى الشيوعية خاصة فى مجالي الآداب والسلام ؟ وإذا كان من الطبيعي أن يقول القائلون فى مصر والعالم العربي أن أوباما لازال في منطقة الشحرورة : كلام كلام وبس ما بخدش منك غير كلام فان من غير الطبيعي أن ينتقد فوزه خصومه الجمهوريون باستخدام نفس الحجج بل وان يتوسع إعلامهم في النقل عن المصادر المصرية والعربية لتأكيد ذلك المعنى.

لم نسمع أن الجمهوريين كانوا يريدونه أن ينجز على ارض الواقع فى قضايا وقف المستوطنات و السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين ونزع السلاح النووي من إيران و إسرائيل وغيرهما والانسحاب من أفغانستان والعراق ثم ا نهم هم مشعلو الحرائق العسكرية والمالية فى العالم والتي أفضت إلى الكثير مما تعانيه البشرية من كرب .

لازال المرء يصاب بالذهول وهو يتذكر شرائط لقاءات بوش الابن مع قادة جمهوريين وأعضاء كونجرس ورجال مال فى مناسبات مختلفة وكيف كانوا يصفقون لهذا المعتوه الجاهل – وقوفا غالبا - إلى حد بلغ 37 مرة فى احد تلك اللقاءات ويتساءل هل ننتظر إنصافا من هؤلاء بحق أوباما أو غير أوباما ؟... وبإمارة إيه يحتج أولئك على منح الجائزة لرئيس بلادهم الذي لا ينكر أيا من أعتى خصومه انه عاقل وأخلاقي ومتعلم وموهوب .

لقد وصل الإسفاف في الهجوم علي أوباما قبل وبعد الجائزة حدا لا يصدق وطال كل ما يحاول عمله حتى نظام التطعيم ضد الأنفلونزا وانحدر إلى لغة لا تفترق كثيرا عن لغة عبده مغربي وأشباهه و لقد لفت نظري إعلان الكاتب القدير الغامض توماس فريدمان قبل فوز أوباما بالجائزة مباشرة انه يخشى أن يؤدى استمرار وتصاعد التحريض الذي يقوم به الجمهوريون ضد أوباما إلى اغتياله معيدا بذلك المخاوف التي سادت العالم قبيل انتخاب أوباما وبعد فوزه .

ليس مطلوبا منا أن نساند أوباما عندا في الجمهوريين فلنا مصالحنا ومن حقنا أن نتخذ المواقف التي تنسجم معها وليس مطلوبا أيضا التنازل عن الانتقادات ضده لمجرد أن اليمين المحافظ يستخدمها حجة عليه لكن من الأهمية قراءة الجوانب التي تهمنا في الخلافات بين أوباما ومعسكر المحافظين فى أمريكا فالغل الذي يشحنهم حياله سببه الأساسي موقفه إزاء رجال حي المال والبنوك والبورصات ( وول ستريت ) وقد وصلت الكراهية الدفينة والظاهرة ضده إلى محطة ذروة فور إعلانه منذ أيام الشروع بتأسيس جهاز يحمى مصلحة مستهلكي الخدمات المالية ويمنع التلاعب فى العقود المالية و سعر الفائدة فيما يحصلون عليه من تمويل .

اليمين الجهول الذي صدعنا بالقول أن الدولة لا يجب أن تكون لاعبا مباشرا أو خصما وحكما فى الاقتصاد وان دورها هو أن تكون " رجيليتور" فقط – رقيب ومنظم – هو ذاته الذي انتفض ضد ذلك الجهاز وهو ليس إلا أول محاولة جادة لجعل الرقابة المالية فعالة .

فى العالم الثالث نرى أن الإصلاحات المالية في أمريكا ليست كافية بل ونرى أن إدارة أوباما عطلت عمل إصلاح أكثر جذرية للنظام المالي العالمي ومع ذلك فجماعة بوش لم ترحمه ولم يعد ينقص حفلة الغضب الأسود عليه إلا الدم الذي يأملون أن يريقه أي مأفون من العنصريين البيض أو سواهم. اننى ممن يظنون أن قضية فلسطين لن تجد الحل العادل إلا إذا انتصر أوباما على مافيا وول ستريت ومن الأسف أن ذلك الربط غير واضح فى العالم العربي ربما لان بلادنا كلها امتلأت ب " الوول ستريتيون" كما إننا حين نقول أن الصهيونية تسيطر على بيوت المال والذهب والنقد فى العالم لا نربط بين محاولة الحد من تلك السيطرة ( كالتي يقوم بها أوباما ) وبين خدمة قضيتنا فى فلسطين.

أوباما قد يضيع لان مصاصي مئات المليارات لن يقولوا له : مادام انت راجل بتعمل لمصلحة أمريكا فاللي تؤمر بيه ياباشا ، ولما تقدم قد تكون جائزة نوبل فى تلك اللحظة محاولة استباقية من السويد أو أوروبا وقبل فوات الأوان ( استخدام رئيس لجنة نوبل هذا التعبير دون أن يوضح المقصود به ) لمنح أوباما في هذا الظرف ما يشبه أن يكون قميصا واقيا من الرصاص قد ينفعه أو يجعل رافضيه يخففون من غلوائهم أو يؤمن له قدرا من الحماية المعنوية التي تحول دون اغتياله أو حتى ليذهب إلى الدار الآخرة مكللا بالفخر !!!!
الصورة عن مجلة تايم الأمريكية