السبت، 5 ديسمبر 2009

تأملات في أزمة دبي: نهاية زمن «المعلقات» الاستثمارية (١-٢)

كتب مصباح قطب/ ينتمي الشيخ محمد بن راشد - حاكم دبي، رئيس وزراء الإمارات العربية، نائب رئيس الدولة - إلى ما يسمى تيار المستقبل في العالم العربي وهو التيار الذي كان قد ظهر بمساندة سعودية في البداية على أيدي رفيق الحريري، رئيس وزراء لبنان، الذي اغتيل بتفجير غادر.

وقد نشأ التيار نشأة شبه أيديولوجية إذ كان هدفه مواجهة نموذج الشمولية الاقتصادية السائد في المنطقة، وبصفة خاصة في سوريا والعراق ومصر «وحالياً إيران»، لحساب أفكار السوق الحرة والاقتصاد المفتوح، وتوسع التيار بعد انهيار الكتلة الاشتراكية وبات يجاهر بخطابه، ليس الاقتصادي فحسب، ولكن أيضاً السياسي دون مواربة، خاصة بعد أن تضعضعت دولة تحالف العسكريين والبيروقراط ولاحقاً ضم «المستقبل» أقطاباً مختلفة،

وأظن أن جمال مبارك وسيف الإسلام القذافي وآخرين في الخليج والمغرب العربي ينتمون إلى هذا التيار، وتجمعهم معاً روابط كثيرة، ويتفقون رغم تبايناتهم على الحرص الدائم على توجيه سهام النقد على الفاضي والمليان إلى تجربة عبد الناصر في الستينيات،

وكأن ذلك من شروط العضوية. ومن المصادفات الغريبة أن التيار رفع رايته في البداية عبر مشروع عقاري حداثي أقامته «سوليدير» الحريري في وسط بيروت، وكان يستلهم تجربة الغرب في مساندة إنشاء كيانات «تلعلع» مثل هونج كونج وسنغافورة لمخايلة جماهير ونظم دول التخطيط المركزي،

ثم وصل مشروع تيارنا المستقبلي إلى ذروته في تجربة الدولة/ الشركة، أو الدولة/ المدينة، المتلعلعة، المتمثلة فيما قام به الشيخ بن راشد بحيوية في دبي لكن ذلك النموذج يتعرض، وللمصادفة، ثانية للاهتزاز بشدة حالياً بسبب مشروع عقاري أيضاً «شركة نخيل» انكشفت حساباته بعد تباطؤ تصريف الوحدات وتراجع أسعارها.

أعرف مسبقاً أن دبي لن تغنى مطلع معلقة امرئ القيس الشهير «قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل...» فلديها من الأصول ما يكفى لسداد المديونيات بالراحة، وستقوم بعد كل «المقاوحة» الراهنة بتسييل بعض الأصول وبيع بعضها الآخر لأبوظبى أو لشركاء محليين أو إقليميين،

ومن المحتمل في أي لحظة إعلان التوصل إلى صيغة توافقية لجدولة المديونية بعد الشد والجذب مع أبوظبي والضغوط على الأخيرة التي يتم فيها استخدام أطراف خارجية - كإنجلترا - بل واستخدام توابع الإعلان المباغت بقصد عن المديونية لإثارة نوع من الفزع بالأسواق بهدف إجبار الدائنين كافة على التنازل عن جزء من المديونية وتوفير السيولة للإمارة، وسيرتبط إعلان الجدولة بلاشك بتعهدات وبإصلاحات هيكلية كان بن راشد نفسه قد شرع في بعضها،

كما سيرتبط بتعهد بشفافية أكثر وحدّ من المضاربات التي تقوم بالكثير منها أطراف في الحكم أو محيطة به. ستنتهي إذن بهذا الشكل أو ذاك قصة المديونية ولن تنتهي دبي أو تفلس لكن سيبقى من قبل الأزمة ومن بعدها شيء ما يجب أن يتغير، وشيء ما يجب أن يغرب.

أول ما يجب أن ينتهي عصر تحويل المشاريع الاستثمارية إلى ما يشبه قصائد المعلقات في الجاهلية التي تعلق على أستار الميديا والأسواق المالية لتباهى بها هذه القبيلة/ العائلة الأخرى... المشاريع التي تقام دون دراسات كافية أو حتى دون دراسات بالمرة بغرض الفخر والحماسة والهجاء بمعنى تعيير الآخرين.

وينطبق ذلك على المنافسة بين دبي وأجوارها التي تفاقمت بعد رحيل مؤسس الاتحاد الشيخ زايد رحمه الله.. «يتعمل هنا مشروع يتم الإعلان عن أنقح منه على الناحية الأخرى» وقد تدخل عدد لا بأس به من ضعاف الذمم والسماسرة لتغذية هذه النزعة بهدف مضاعفة عمولاتهم مستغلين ضعف المساءلة والرقابة وفردية القرار، وهكذا.

من الدروس المهمة أيضاً أن سياسة القفز إلى الأمام فوق المشاكل لابد لها من نهاية، إذ كان من الواضح أن ملامح أزمة النموذج قد بدأت تظهر قبل الأزمة العالمية، وكان يتم الغطرشة عليها بالإعلان عن مشاريع عملاقة جديدة دون تحديد موقف القائمة بالفعل وضبط حساباتها، بل والإعلان عنها بحفلات إطلاق «لونشنج» شديدة البذخ وكان آخرها الإعلان عن افتتاح فندق اتلانتنس الغاطس في عز الأزمة بقصد الإيحاء بأن كله تمام ياريس أو يا شيخ.

من المهم وقد أحكم المحيطون بالحكم الدائرة حوله أن نصدقهم القول فلا يمكن أن تسير الأمور في ظل اختلاط الحكم بالإدارة بالملكية بالرقابة مهما حسنت النوايا، ولا يعقل أبداً أن يصبح الرقيب مستثمراً حيث لا يمكن للمنافسة الصحيحة أن تعمل في أجواء كتلك، وقد بات من الضروري عمل نوع من فصل الملكية عن الإدارة في الإمارة، أو ربما في الإمارات كلها.
نشرت في المصري اليوم – مصرية يومية مستقلة، 2 ديسمبر2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق